سورة الرحمن - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرحمن)


        


{فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ (37) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (38) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ (39) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (40)}
{وَرْدَةً} حمراء {كالدهان} كدهن الزيت، كما قال: (كالمهل)، وهو درديّ الزيت، وهو جمع دهن. أو اسم ما يدهن به كالخزام والإدام. قال:
كَأَنَّهُمَا مَزَادَتَا مُتَعَجِّل *** فَرِيَّانِ لَمَّا تُدْهَنَا بِدِهَانِ
وقيل: الدهان الأديم الأحمر.
وقرأ عمرو بن عبيد {وردة} بالرفع، بمعنى: فحصلت سماء وردة، وهو من الكلام الذي يسمى التجريد، كقوله:
فَلَئِنْ بَقِيتُ لأَرْحَلَنَّ بِغَزْوَة *** تَحْوِي الْغَنَائِمَ أَو يَمْوتَ كَرِيمُ
{إِنسٌ} بعض من الإنس {وَلاَ جَانٌّ} أريد به: ولا جن: أي: ولا بعض من الجن، فوضع الجانّ الذي هو أبو الجن موضع الجن، كما يقال: هاشم، ويراد ولده. وإنما وحد ضمير الإنس في قوله: {عَن ذَنبِهِ} لكونه في معنى البعض. والمعنى: لا يسألون لأنهم يعرفون بسيما المجرمين وهي سواد الوجوه وزرقة العيون.
فإن قلت: هذا خلاف قوله تعالى: {فَوَرَبّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 92] وقوله: {وقفوهم إنهم مسؤلون} [الصافات: 24].
قلت: ذلك يوم طويل وفيه مواطن فيسألون في موطن ولا يسألون في آخر: قال قتادة: قد كانت مسألة، ثم ختم على أفواه القوم، وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
وقيل لا يسأل عن ذنبه ليعلم من جهته، ولكن يسأل سؤال توبيخ.
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد {ولا جأَنٌّ} فراراً من التقاء الساكنين، وإن كان على حده.


{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (42) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (43) يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آَنٍ (44) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (45)}
{فَيُؤْخَذُ بالنواصى والأقدام} عن الضحاك: يجمع بين ناصيته وقدمه في سلسلة من وراء ظهره وقيل تسحبهم الملائكة: تارة تأخذ بالنواصي؛ وتارة تأخذ بالأقدام {حَمِيمٍ ءانٍ} ماء حار قد انتهى حرّه ونضجه، أي: يعاقب عليهم بين التصلية بالنار وبين شرب الحميم. وقيل: إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم. وقيل: إن وادياً من أودية جهنم يجتمع فيه صديد أهل النار فينطلق بهم في الأغلال، فيغمسون فيه حتى تنخلع أوصالهم؛ ثم يخرجون منه وقد أحدث الله لهم خلقاً جديداً. وقرئ: {يطوّفون} من التطويف. ويطوّفون، أي: يتطوّفون ويطافون. وفي قراءة عبد الله: {هذه جهنم التي كنتما بها تكذبان تصليان لا تموتان فيها ولا تحييان يطوفون بينهما} ونعمة الله فيما ذكره من هول العذاب: نجاة الناجي منه برحمته وفضله، وما في الإنذار به من اللطف.


{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (49) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (50) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (51) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (52) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (53) مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (55)}
{مَقَامَ رَبّهِ} موقفه الذي يقف فيه العباد للحساب يوم القيامة {يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين} [المطففين: 6] ونحوه: {لِمَنْ خَافَ مَقَامِى} [إبراهيم: 14] ويجوز أن يراد بمقام ربه: أن الله قائم عليه؛ أي: حافظ مهيمن من قوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33] فهو يراقب ذلك فلا يجسر على معصيته. وقيل: هو مقحم كما تقول: أخاف جانب فلان، وفعلت هذا لمكانك. وأنشد:
ذَعَرْتُ بِهِ الْقَطَا وَنَفَيْتُ عَنْهُ *** مَقَامَ الذئْبِ كَالرَّجُلِ اللَّعِينِ
يريد: ونفيت عنه الذئب.
فإن قلت: لم قال: {جَنَّتَانِ}؟ قلت: الخطاب للثقلين؛ فكأنه قيل: لكل خائفين منكما جنتان: جنة للخائف الإنسي، وجنة للخائف الجني. ويجوز أن يقال: جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي؛ لأن التكليف دائر عليهما وأن يقال: جنة يثاب بها، وأخرى تضم إليها على وجه التفضل، كقوله تعالى: {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الحسنى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] خص الأفنان بالذكر: وهي الغصنة التي تتشعب من فروع الشجرة: لأنها هي التي تورق وتثمر، فمنها تمتد الظلال، ومنها تجتنى الثمار. وقيل: الأفنان ألوان النعم ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين. قال:
وَمِنْ كُلِّ أَفْنَانِ اللَّذَاذَةِ وَالصَّبَا *** لَهَوْتُ لَهَوْتُ بِهِ وَالْعَيْشُ أَخْضَرُ نَاضِرُ
{عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} حيث شاءوا في الأعالي والأسافل. وقيل: تجريان من جبل من مسك.
وعن الحسن: تجريان بالماء الزلال: إحداهما التسنيم، والأخرى: السلسبيل {زَوْجَانِ} صنفان: قيل: صنف معروف وصنف غريب {مُتَّكِئِينَ} نصب على المدح للخائفين. أو حال منهم، لأنّ من خاف في معنى الجمع {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} من ديباج ثخين، وإذا كانت البطائن من الإستبرق، فما ظنك بالظهائر؟ وقيل: ظهائرها من سندس. وقيل: من نور {دَانٍ} قريب يناله القائم والقاعد والنائم. وقرئ: {وجنى}، بكسر الجيم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5